فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {الحي القيوم} أشير بهما إلى الاسم الأعظم لأن اسمه الحي مشتمل على جميع أسمائه وصفاته. فإن من لوازم الحي أن يكون قادرًا عالمًا سميعًا بصيرًا متكلمًا مريدًا باقيًا إلى غير ذلك من نعوت الكمال، واسمه القيوم دالّ على افتقار كل المخلوقات إليه؛ فإذا تجلى الله للعبد بهاتين الصفتين، انكشف للعبد عند تجلي صفته الحي معاني جميع أسمائه وصفاته؛ وعند تجلي صفته القيوم فناء جميع المخلوقات، إذ كان قيامها بقيومية الحق لا بأنفسهم، فلما جاء الحق وزهق الباطل فلا يرى في الوجود إلا {الحي القيوم} إذ سلب الحي جميع أسماء الله وسلب القيوم قيام الممكنات، ففني التعدد وبقيت الوحدة. فيذكره عند شهود عظمة الواحدانية بلسان عيان الفردانية لا بلسان بيان الإنسانية، فقد ذكره باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؛ لأنه حينئذٍ ينطق بالله فيكون الحال كما جرى على لسانه. فأما الذاكر عند غيبته عن عظمة الوحدانية فبكل اسم دعاه لا يكون الاسم الأعظم بالنسبة إلى حال غيبته، وعند شهود العظمة فبكل اسم دعاه يكون الاسم الأعظم. كما ئيل أبو يزيد عن الاسم الأعظم فقال: الاسم الأعظم ليس له حد محدود ولكن فرغ قلبك لوحدانيته فإذا كنت كذلك فاذكره بأي اسم شئت.
{لا تأخذه سنة ولا نوم}، لأن النوم أخو الموت والموت ضد الحياة، وهو الحي الحقيقي فلا يلحقه ضد الحياة. {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} هذا الاستثناء راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: من ذا الذي يشفع عنده يوم القيامة إلا عبده محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مأذون في الشفاعة موعود بها {وعسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79].
{ويعلم} محمد صلى الله عليه وسلم {ما بين أيديهم} من أوليات الأمور قبل خلق الخلائق، كقوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما خلق نوري، أول ما خلق الله العقل أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام» {وما خلفهم} من أحوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب وطلب الشفاعة من الأنبياء وقولهم نفسي نفسي ورجوعهم إليه بالاضطرار، {ولا يحيطون بشيء من علمه} وإنما هو شاهد على أحوالهم وسيرهم ومعاملاتهم وقصصهم {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل} [هود: 120] ويعلم أمور أخرتهم وأحوال أهل الجنة والنار، وهم لا يعلمون شيئًا من ذلك {إلا بما شاء} أن يخبرهم عنه {وسع كرسيه السموات والأرض} مثال العرش في عالم الإنسان قلبه؛ ومثال الكرسي: سره. وسوف يجيء تمام التحقيق إن شاء الله تعالى في قوله: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 9] وإن العرش مع عظمته كحلقة ملقاة بين السماء والأرض بالنسبة إلى سعة قلب المؤمن. {ولا يؤده حفظهما} لا يثقل الروح الإنساني حفظ أسرار السموات والأرض، {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] ولما أظهر لمخلوقاته من العرش والكرسي ولقلب المؤمن وسره علوًا في المرتبة وعظمة في الخلقة ظهارًا لكمال القدرة والحكمة، تردَّى برداء الكبرياء واتّزر بإزار العظمة والبهاء وهو أولى بالمدح والثناء فقال: {وهو العلي العظيم} فمن علا في الآخرة والأولى فبإعلائه، ومن عظم فبتعظيمه. ثم أخبر عن عزة الدين لأرباب اليقين بقوله: {لا إكراه في الدين} كما قال صلى الله عليه وسلم: «ليس الدين بالتمني» مع أن التمني نوع من الاختيار فكيف يحصل بالإكراه هو الإجبار، فإن الدين هو الاستسلام لأوامر الشرع ظاهرًا والتسليم لأحكام الحقِّ باطنًا من غير حرج وضيق عطن.
ثم شرع في مزيد شرح لحقيقة الدين بقوله: {فمن يكفر بالطاغوت} يتبرأ منه؛ فطاغوت العوام الأصنام، وطاغوت الخواص هو النفس، وطاغوت خواص الخواص ما سوى الله. وإيمان العوام إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وإيمان الخواص عزوب النفس عن الدنيا وسلوك طريق العقبى. وشهود القلب مع المولى. وإيمان خواص الخواص ملازمة الظاهر والباطن في طاعة الله، وإنابة القلب إلى الفناء في الله، وإخلاء السر للبقاء بالله، وهذا هو السكر الموجب للشكر. ولهذا قال موسى بعد إفاقته عن سكر سطوات شراب التجلي {تبت إليك} [الأحقاف: 15] أي عن هذه الإفاقة، فكان مخصوصًا عن عالمي زمانه بالإيمان العياني وشريكًا مع القوم بالإيمان البياني كما البياني كما قيل:
لي سكرتان وللندمان واحدة ** شيء خصصت به من بينهم وحدي

ثم العروة الوثقى التي استمسك بها المؤمن لا يمكن أن تكون من المحدثات المخلوقات لقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] ولا تكون أيضا من بطشك وإلا كانت منفصمة، بل تكون من بطشه {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12] ولكل مؤمن عروة مناسبة لمقامه في الإيمان؛ فهي للعوام توفيق الطاعة، وللخواص مزيد العناية بالمحبة {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] ولخواص الخواص الجذبة الإلهية التي تفنيه عن ظلمات الغيرية وتبقيه بنور الربوبية ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين» وأعمالهما فانية من عالم الحدوث، وجذبة الحق باقية من عالم القدم لا يجوز عليها الانفصام، فالمجذوب لا يخلص منها أبد الآبدين.
ثم أخبر عن تصرفات جذباته فقال: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} يخرج العوام من ظلمات الكفر والضلالة إلى نور الإيمان والهداية، والخواص من ظلمات الصفات النفسانية والجسمانية إلى نور الروحانية والربانية، وخواص الخواص من ظلمات الحدوث والفناء إلى نور الشهود والبقاء. {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} ذكر الطاغوت بلفظ الوحدان، والأولياء بلفظ الجمع، ليعلم أن الولاء والمحبة من قبل الكفار أي هم أولياء الطاغوت كقوله: {أندادًا يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165]؛ فإن الطاغوت لو فسر بالأصنام فهي بمعزل عن الولاية وإن فسر بالشيطان أو النفس؛ فهم الأعداء لا الأولياء يخرجونهم من نور الروحانية وصفاء الفطرة إلى ظلمات الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية، ظلمات بعضها فوق بعض، دركات بعضها تحت بعض {أولئك} أي أرواح الكفار مع النفس والشيطان والأصنام أصحاب النار، لأن الأرواح، وإن لم تكن من جنسهم ولكن من تشبه بقوم فهو منهم. والله المستعان. اهـ.

.تفسير الآية رقم (258):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر ما له سبحانه وتعالى من الإحاطة والعظمة وأتبعه أمر الإيمان وتوليه حزبه وأمر الكفران وخذلانه أهله أخذ يدل على ذلك بقصة المحاج للخليل والمار على القرية مذكرًا بقصة الذين قال لهم موتوا ثم أحياهم في سياق التعجيب من تلك الجرأة- قال الحرالي: ولما كان ما أظهره الحق في آية عظمته وما اتصل بها في خاصة عباده اختص هذا الخطاب بالنبي صلى الله عليه وسلم لعلو مفهوم مغزاه عمن دونه، انتهى- فقال تعالى: {ألم تر} أي تعلم بما نخبرك به علمًا هو عندك كالمشاهدة لما لك من كمال البصيرة وبما أودعناه فيك من المعاني المنيرة.
ولما كان هذا المحاج بعيدًا من الصواب كثيف الحجاب أشار إلى بعده بحرف الغاية فقال: {إلى الذي حآج إبراهيم} أي الذي هو أبو العرب وهم أحق الناس بالاقتداء به {في ربه} الضمير يصح أن يعود على كل منهما أي فيما يختص به خالقه المربي له المحسن إليه بعد وضوح هذه الأدلة وقيام هذه البراهين إشارة إلى أنه سبحانه أوضح على لسان كل نبي أمره وبين عظمته وقدره مع أنه ركز ذلك في جميع الفطر وقادها إلى بحور جلاله بأدنى نظر فكأن نمرود المحاج للخليل ممن أخرجته الشياطين من النور إلى الظلمات، ولما كان ذلك أمرًا باهرًا معجبًا بين أن علته الكبر الذي أشقى إبليس فقال: {أن} أي لأجل أن {آتاه الله} أي الملك الأعلى بفيض فضله {الملك} الفاني في الدنيا الدنيئة، فجعل موضع ما يجب عليه من شكر من ملكه ذلك محاجته فيه وكبره رغم عليه، وعرفه إشارة إلى كماله بالنسبة إلى الآدميين بالحكم على جميع الأرض.
قال الحرالي: وفي إشعاره أن الملك فتنة وبلاء على من أوتيه- انتهى.
فتكبر بما خوله الله فيه على عباد الله وهم يطيعونه لما مكّن الله له من الأسباب إلى أن رسخت قدمه في الكبر المختص بالملك الأعظم مالك الملك ومبيد الملوك فظن جهلًا أنه أهل له. اهـ.

.قال أبو حيان:

مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى: لما أخبر أنه ولي الذين آمنوا، وأخبر: أن الكفار أولياؤهم الطاغوت، ذكر هذه القصة التي جرت بين إبراهيم والذي حاجه، وانه ناظر ذلك الكافر فغلبه وقطعه، إذ كان الله وليه، وانقطع ذلك الكافر وبهت إذ كان وليه هو الطاغوت: {ألا إن حزب الله هم الغالبون} {ألا إن حزب الله هم المفلحون} فصارت هذه القصة مثلًا للمؤمن والكافر اللذين تقدّم ذكرهما. اهـ.

.اللغة:

{حاج} المحاجة: المغالبة يقال: حاججته فحججته، وحاجة أي بادلة الحجة.
{فبهت} انقطع وسكت متحيرا، قال العذري:
فما هو ألا أن أراها فجاءة ** فأبهت حتى ما أكاد أجيب

{خاوية} ساقطة.
{عروشها} العرش: سقف البيت، وكل ما يهيأ ليظل أو يكن فهو عريش.
{يتسنه} يتغير ويتبدل، من تسنهت النخلة إذا أتت عليها السنون وغيرتها.
{ننشزها} نركب بعضها فوق بعض، من النشاز وهو الرفع يقال لما ارتفع من الأرض نشز.
ومنه نشوز المرأة.
{فصرهن} ضمهن إليك ثم اقطعهن، من صار الشيء يصوره: إذا قطعه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ربِّي الذي} مرسلة الياء: حمزة. الباقون بالفتح. {أنا أحيى} بالمد: أبو جعفر ونافع، وكذلك ما أشبهها من المفتوحة والمضمومة، وزاد أو نشيط بالمد في المكسورة في قوله تعالى: {إن أنا إلا نذير} [الأعراف: 188] وأشباه ذلك {مائة} وبابه مثل {فئة} وقد مر. {لبث} وبابه بالأظهار: ابن كثير ونافع وخلف وسهل ويعقوب {لم يتسنه} في الوصل والوقف بالهاء: حمزة وعلي وخلف وسهل ويعقوب، لأن الهاء للسكت وهاء السكت تزاد للوقف. الباقون: بالهاء الساكنة في الحالين، والهاء إما أصلية مجزومة بلم، أو هاء سكت. وأجروا الوصل مجرى الوقف. {إلى حمارك} كمثل الحمار بالإمالة: عليّ غير ليث وأبي حمدون، وحمدويه والنجاري عن ورش، وابن ذكوان وأبو عمرو وحمزة في رواية ابن سعدان وأبي بن شنبوذ عن أهل مكة. {ننشرها} بالراء: أبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير وأبو جعفر ونافع. الباقون بالزاي. {قال أعلم} موصولًا والابتداء بكسر الهمزة على الأمر: حمزة وعلي. الباقون: مقطوعًا والميم مضمومة على الإخبار {فصرهن} بكسر الصاد: يزيد وحمزة وخلف ورويس والمفضَّل، {جزءًا} بتشديد الزاي: يزيد ووجهه أنه خفف بطرح همزته ثم شدد كما يشدد في الوقف إجراء للوصل مجرى الوقف. وقرأ أبو بكر وحماد {جزءًا} مثقلًا مهموزًا. الباقون: ساكنة الزاي مهموزة.